عندما نتحدث عن العفة يتبادر إلى الذهن البعد عن الفاحشة وأسبابها ونغفل عن أن هناك نوعا آخر من العفة نشكو فقدها وقلة الإهتمام بها .. إنها عفة اللسان .. ذلك السلاح الذى به نقتل أو نحيى ، اللسان الذى قد يكون مثل الحية تنقث سما قاتلا ، أو كالشهد المصفى والعسل المذاب يبشر عطر الإيمان فى الأرجاء ..
عفة اللسان تعنى أن نتورع عن إيذاء الآخرين بسب أو استهزاء أو لمز وغمز أو غيبة ونميمة ، عفة اللسان ألا نخرج إلا أطايب الكلام وعذب الثمر ، فنهدى إنسانا إلى الحق ، ونرتفع بآخر فوق الصغائر وضغوط الحياة ، نزيل به ما بين الإخوة من أسباب الخلاف ونزرع بدلا منها بساتين مزهرة من الصفح والعفو والتراضى ..
تقدم على عفة اللسان تنقذ بيتا من أن يهدم، وشابا من أن ينحرف ، وشيخا من أن يموت كمدا ، وإمرأة من أن تفكر فى الخيانة ، وفتاة من أن إنهاء حياتها ..
كم نحن بحاجة كم نحن بحاجة إلى أن ندرب أنفسنا ونعلمها معنى العفة شاملا وعاما فلا نضع أنفسنا موضع الجهلاء الذين يتربصون بالآخرين لينهالوا بألسنتهم قتلا وتعذيبا ، ولا موضع الضعفاء الذين لا يتحملون فيطلقون من الأذى مالا يدركون مداه وأثره ..
إن دين الرحمة والهداية يأبى على هذه الأمة المباركة أن تنساق وراء غرائزها فتطلق لها العنان بغير حساب ، فلا يجب أن نترك غريزة حب الكلام أو اللسان السليط تحكمنا وتذهب بنا إلى هناك .. إلى أودية الهلاك المعدة للظالمين والقاتلين الذين لا تأخذهم رأفة ولا رحمة فى عباد الله فينطلقون لإيذاء الناس بكل ما تملك جوارحهم ويتناسون أن الذى يتعرض للناس بالإيذاء بلسانه أو بغيره مكروه عند الله وعند رسوله وعند الناس ، فمن أراد أن يكون من ذلك الصنف فليطلق لسانه كما شاء .. ومن أراد أن يكون محبوبا عند الله وعند خلقه فليعود لسانه العفة وقول الطيب عسى الله أن يرفعه بكلمة ينطقها إلى جنان الخلد ومجاورة الصديقين .